روائع مختارة | روضة الدعاة | السيرة النبوية | بر الرسول.. بغير المسلمين

صباحاً 12 :31
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
20
السبت
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > السيرة النبوية > بر الرسول.. بغير المسلمين


  بر الرسول.. بغير المسلمين
     عدد مرات المشاهدة: 4869        عدد مرات الإرسال: 0

لقد كانت العلاقة بين الرسول وبين المخالفين له أعلى بكثير من مجرد علاقة سلام ووئام، إنها كانت علاقة «بِرٍّ» بكل معاني الكلمة.

معاملة الرسول غير المسلمين:

اخلاق الرسولونحن لا نخالف الحقيقة إذا قلنا: إن رسول الله كان يعامل غير المسلمين المحيطين به معاملة الرجل لأهله.

فها هو أنس t يروي موقفًا عجيبًا من مواقف رسول الله فيقول: «كان غلام يهودي يخدُم النبي ، فمرض، فأتاه النبي يَعُودُهُ، فقعد عند رأسه.

فقال له: «أَسْلِمْ» فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطِعْ أبا القاسم. فأسلم، فخرج النبي يقول: «الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ»[1].

وتدبر جيدًا بعقلك وقلبك!

هذا رسول الله يستعمل غلامًا يهوديًّا في الخدمة، ولا يمتنع عن ذلك؛ ليجعل الحياة مع أصحاب الديانات الأخرى في داخل المدينة المنورة حياة طبيعية.

ثم يمرض هذا الغلام، فيذهب رسول الله ليعوده في بيته!!

إننا يجب أن ندرك -لنعرف قيمة الموقف- أن الرسول هو أعلى سلطة في المدينة المنورة، والغلام اليهودي لا يعدو أن يكون خادمًا، وعلى غير مِلَّة الإسلام!

أيحدث في بقعة من بقاع الأرض أن يزور رئيس البلاد خادمًا له إذا مرض، وخاصة إذا كان على غير دينه؟!

إننا قد اعتدنا أن نقرأ مثل هذه المواقف عن حبيبنا فلم نعُدْ نحلِّل وندرس، ولكن الوقوف للتدبُّر في مثل هذه الكنوز يعطينا فيضًا هائلاً من الخير والحكمة.

ثم إنه لا ينسى وظيفته الأولى في الدنيا وهي البلاغ؛ فيدعوه للإسلام، فيُسلِم الغلام، فيخرج النبي فرحًا بإسلامه، كأنما أسلم أحد أحب أهله إليه.

إن هذا هو البرُّ -حقيقةً- في أسمى صوره.
 
موقف أسماء بنت أبي بكر مع أمها:

وهذه أسماء بنت أبي بكر[2]-رضي الله عنها- تحكي فتقول: قدمت عليَّ أمي[3] وهي مشركة في عهد قريش، إذ عاهدوا رسول الله ، فاستفتتْ رسول الله.

فقالت: يا رسول الله، إن أمي قدمت عليَّ وهي راغبة، أَفَأَصِلُهَا؟ قال: «نَعَمْ، صِلِيهَا»[4].

ها هو يأمر أسماء بنت أبي بكر –رضي الله عنها- أن تصل أمها المشركة، ومع أن دولة قريش في ذلك الوقت كانت دولة محاربة.

ولكنها في عهد مؤقت، فلم يمنع المرأة المشركة من دخول المدينة، ولا دخول بيت أسماء ل ، وهو بيت الزبير بن العوام[5] t.

وهو من كبار رجال المدينة، وقد يكون لديه من الأسرار ما لا يجب أن يطَّلع عليه المشركون.

ومع ذلك فإن رسول الله لا يَحْرِمُ أمًّا مشركة من زيارة ابنتها المسلمة، ولا يحرم بنتًا مسلمة من بِرِّ أمها المشركة.

هكذا بمنتهى التسامح وبأعلى درجات الرضا.. إنه لم يفكر ولم يتردد.. فليس في البرِّ تردُّد!!

عمر بن الخطاب يهدي رجلا مشرك:

وفي موقف آخر لطيف يرويه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، ويذكر فيه أن عمر بن الخطاب t رأى حُلَّة سيراء[6] عند باب المسجد، فقال: يا رسول الله، لو اشتريتَ هذه فلبستَها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك.

فقال رسول الله : «إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ». ثم جاءت رسولَ الله منها حُلَلٌ، فأعطى عمر بن الخطاب t منها حُلَّةً، فقال عمر: يا رسول الله، كَسَوْتَنِيهَا وقد قلت في حُلَّة عطارد ما قلت؟!

قال رسول الله : «إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا». فكساها عمر بن الخطاب t أخًا بمكة مشركًا[7]!!

فعمر t يُهْدِي هذه الحُلة لأحد إخوانه المشركين[8]، ورسول الله لا يعترض، وإقراره -كما هم معلوم- سُنَّة.

يقول الإمام النووي -رحمه الله- معلقًا على هذا الموقف: «وفي هذا دليلٌ لجواز صلة الأقارب الكفار، والإحسان إليهم، وجواز الهدية إلى الكفار»[9].

موقف نصارى نجران مع رسول الله:

بل إن رسول الله فعل ما يَتَعَجَّبُ منه كثير من الناس، وهو السماح لنصارى نجران أن يؤدوا صلواتهم داخل المسجد النبوي!!

يقول ابن سيد الناس[10] -رحمه الله- في عيون الأثر: «وقد حانت صلاتهم، فقاموا في مسجد رسول الله يصلون، فقال رسول الله : (دَعُوهُمْ)، فَصَلَّوْا إلى المشرق»[11].

إنهم لا يدخلون المسجد النبوي فقط، بل يصلون فيه، وفي هذا ما لا يخفى على أحد من البرِّ والتسامح.

[1] البخاري: كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلَّى عليه وهل يعرض على الصبي الإسلام (1290)، والترمذي (2247)، والنسائي في سننه الكبرى (7500).

[2] هي أسماء بنت أبي بكر الصديق، كانت تحت الزبير بن العوام، وكان إسلامها قديمًا بمكة، ثم هاجرت إلى المدينة وهي حامل بعبد الله بن الزبير، فوضعته بقباء.

وقد توفيت بمكة في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين بعد مقتل ابنها عبد الله بن الزبير بيسير. انظر: ابن الأثير: أسد الغابة 6/12، وابن حجر: الإصابة، الترجمة رقم (10791).

[3] هي قُتيلة بنت سعد من بني عامر بن لؤي، امرأة أبي بكر الصديق، وهي أم عبد الله وأسماء. ذكرها ابن الأثير في الصحابيات.

وقال: تأخر إسلامها. قدمت إلى المدينة وهي مشركة بعد صلح الحديبية. انظر: ابن الأثير: أسد الغابة 6/242.

[4] البخاري: كتاب الهبة وفضلها، باب الهدية للمشركين (2477)، ومسلم: كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين (1003).

[5] هو الزبير بن العوام، يُكنى أبا عبد الله، أمه صفية بنت عبد المطلب بن هاشم، لم يتخلف عن غزوة غزاها رسول الله.

كان أول من سلَّ سيفًا في الإسلام، وقد استشهد t يوم الجمل. انظر: ابن عبد البر: الاستيعاب 1/151، وابن الأثير: أسد الغابة 1/377، وابن حجر: الإصابة، الترجمة رقم (2791).

[6] حُلَّة سيراء: من الحرير الخالص، وهي مُحَرَّمة على الرجال.

[7] البخاري: كتاب الجمعة، باب يلبس أحسن ما يجد (846)، ومسلم: كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة (2068).

[8] عثمان بن عبد حكيم، وهو أخو عمر من أمه، ومُختَلف في إسلامه بعد ذلك. انظر: ابن حجر: فتح الباري 1/331.

[9] النووي: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج 14/39.

[10] ابن سيد الناس: هو محمد بن أبي عمرو، الإمام أبو الفتح الأندلسي، الشهير بابن سيد الناس (661 - 734هـ)، كان صدوقًا في الحديث حجة فيما ينقله، له بصر نافذ بالفن وخبرة بالرجال وطبقاتهم.

من تصانيفه: بشرى اللبيب بذكر الحبيب. انظر: الصفدي: الوافي بالوفيات 1/126، والباباني: هدية العارفين 1/528.

[11] ابن سيد الناس: عيون الأثر 1/348.

الكاتب: د. راغب السرجاني

المصدر: موقع قصة الإسلام